الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: موارد الظمآن لدروس الزمان
وَقَالَ ابْنُ القَيْمِ رَحِمَهُ اللهُ: وعِمَارَةُ الوَقْتِ الاشْتِغَالُ فِي جَمِيعِ آنَائِهِ بِمَا يُقَرِبُ إِلى اللهِ أوْ يُعِيْنُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ مَأْكَلٍ وَمَشْرَبٍ أوْ مَنْكَحٍ أَوْ مَنَانٍ أَوْ رَاحَةٍ فأنَّهُ مَتَى أَخَذَهَا بِنِيَّةِ القُوَّةِ عَلَى مَا يُحِبُّهُ اللهُ وَتَجَّنَب مَا يُسْخِطُهُ كَانَتْ مِنْ عِمَارَةِ الوَقْتِ وَإِنْ كَانَ لَهُ فِيْهَا أَتَمَّ لَذَّةٍ فَلاَ تَحْسَبْ عِمَارَةَ الوَقْتِ بِهَجْرِ اللَّذَاتِ وَالّطيَّبَاتِ فالمُحِبُ الصَّادِقُ رُبَّمَا كَانَ سَيْرُهُ القَلْبِي فِي حَالِ أَكْلِهِ وشُرْبِهِ وجِمَاعِ أَهْلِهِ وَرَاحَتِهِ أَقْوَى مِنْ سَيْرِهِ البَدَنِي فِي بَعْضِ الأَحْيَانِ.وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: والْعَبْدُ إِذَا عَزَمَ عَلَى فِعْلِ أَمْرٍ فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ أَوَّلاً هَلْ هُوَ طَاعَةٌ للهِ أمْ لاَ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ طَاعَةً فَلاَ يَفْعَلَهُ إِلاَّ أنْ يَكُونَ مُبَاحاً يَسْتَعِيْنُ بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وحِيْنَئِذٍ يَصِيْرُ طَاعةً فَإذَاً بَانَ لَهُ أَنَّهُ طَاعَةٌ فَلاَ يُقْدِمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَنْظُرَ هَلْ هُوَ مُعَانٌ عَلَيْهِ أَمْ لاَ فِإنْ لَمْ يَكُنْ مُعَاناً عَلَيْهِ فلا يُقْدِمْ عَلَيْهِ فَيُذِلَ نَفْسَهْ وإِنْ كَانَ مُعَاناً عَلَيْهِ بَقِيَ عَلَيْهِ نَظَرٌ وهُوَ أنْ يَأْتِيَهْ مِنْ غَيْرِ بَابِهِ أَضَاعَهُ أَوْ فَرَّطَ فِيْهِ أَوْ أَفْسَدَ مِنْهُ شَيْئاً فَهَذِهِ الأُمُوْرُ الثلاَثةُ: الطَّاعَةُ والإِعَانَةُ والهِدَايَةُ أَصْلُ سَعَادَةِ العَبِْد وفَلاَحِهِ.وَهَوَ مَعْنَي قَولِ الْعَبِْد لِرَبَّهِ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ فأَسْعَدُ الخَلْقِ أَهْلُ هَذِهِ العِبَادَةِ والاسْتِعَانَةِ والهِدَايةِ إَلى المَطْلُوبِ وأشقَاهُمْ مَنْ عَدِمَ الأُمُوْرَ الثلاثَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ لَهُ نَصِيْبٌ مِنْ إيَّاكَ نَعْبُدُ ونَصِيْبُهُ مِنْ إِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ مَعْدُوْمٌ أَوْ ضَعِيْفٌ فَهَذَا مَخْذُوْلٌ مَهِيْنٌ مَحْزُوْنُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ نَصِيْبُهُ مِنْ إِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ قَوِياً ونَصِيْبُهُ مِنْ إيَّاكَ نَعْبُدُ ضَعِيْفاً أَوْ مَفْقُوْداً فَهَذَا لَهُ نُفُوذٌ وَتَسَلُّطٌ وَقُوَّةٌ ولكِنْ لاَ عَاقِبَةَ لَهُ بَلْ عَاقِبَتُهُ أَسْوَءُ عَاقِبَةً.وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ لَهُ نَصِيْبٌ مَنْ إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ ولَكِنْ نَصِيْبُهُ مَنْ الهِدَايَةِ إَلى المَقْصُوْدِ ضَعِيْفٌ جِداً كَحَالِ كَثِيْرٍ مِنْ العِبَادِ والزُهَادِ الَّذِيْنَ قَلَّ عِلْمُهُمْ بحَقَائِقِ مَا بَعَثَ اللهُ بِهِ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم مَنَ الهُدَى والتُقَى. اللَّهُمَّ اِجْعَلْ إيْمَانَنَا بِكَ عَمِيْقَاً وسَهِلْ لَنَا إِلى مَا يُرْضِيْكَ طَرِيْقاً وألطُفْ بِنَا يَا مَوْلاَنََا وَوَفِقْنَا لِلْبَاقِيَاتِ الصَّالِحَاتِ تَوْفِيْقَاً وَاغْفِرْ لَنَا وَلِوَالِدَيْنَا وَجَمِيعِ المُسْلِمِيْنَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ وَصَلَّى الله عَلَى مُحَمَّد وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.فصل:وَقَالَ رَحِمَهُ اللهُ: أَقَامَ اللهُ سُبْحَانهَ ُهَذَا الخَلْقَ بَيْنَ الأَمْرِ والنَّهْي والعَطَاءِ والمَنْعِ فافْتَرَقُوْا فِرقتَيْنِ، فِرقَهً قَابَلَتْ أَمْرَهُ بالتَّرْكِ، وَنَهِيَهُ بالاِرْتِكَابِ، وَعَطَاءَهُ بِالغَفْلَةِ، عَنْ الشُكْرِ ومَنْعَهُ بِالسُّخْطِ وهَؤُلاَءِ أَْعْدَاؤُهُ، وفِيْهِمْ مِنَ العَدَاوَةِ بِحَسَبِ مَا فِيْهِمْ مِنْ ذَلِكَ.وقِسْمً قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ عَِيْدُكَ، فإِنْ أَمَرْتَنَا سَارَعْنَا إِلى الإِجَابَةِ، وإِنْ نَهَيْتَنَا أَمْسَكْنَا نُفُوسَنَا وكَفَفْنَاهَا عَمَّا نَهَيْتَنَا عَنْهُ وإِنْ أعْطَيْتَنَا حَمِدْنَاكَ وشَكَرْنَاكَ، وإِنْ مَنَعْتَنَا تَضَرَّعْنَا إِلْيكَ وذَكَرْنَاكَ، فَلَيسَ بَيْنَ هَؤُلاَءِ وبَيْنَ الجَنَّةِ إِلاَ سِتْرُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا، فإِذَا مَزَّقَهُ عَلَيهِم المَوتُ، صَارُوا إِلى النَّعِِْيِم المُقِيْمِ وقُرَّةِ العَيْنِ، كَمَا أَنَّ أُولَئِكَ لَيْسَ بَيْنَهُمْ وبَيْنَ النّارِ إِلاَ سِتْرُ الحَيَاةِ، فإِذَا مَزَّقَهُ المَوتُ صَارُوا إِلى الحَسْرةِ والأَلَمِ.فَإذَا تَصَادَمَتْ جُيُوشُ الدُّنْيَا والآخِرَةِ فِي قَلْبِكَ وأَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ مِنْ أَيّ الفَرِيْقَينِ أَنْتَ، فَانْظُرْ مَعَ مَنْ تَمِيْلُ مِنْهُمَا، ومَعَ مَنْ تُقَاتِلُ، إذْ لاَ يَمْكِنُكَ الوُقُوفُ بَيْنَ الجَيْشَيْنِ، فأَنْتَ مَعَ أَحَدِهِمَا لاَ مَحَالَةَ.فَفَرِيقٌ مِنْهُمْ اسْتَغَشُّوْا الهَوَى فَخَالَفُوهُ، واسَتَنْصَحُوْا العَقْلَ فَشَاوَرُهُ، وفَرَّغُوا قُلُوبَهُمْ لِلْفِكْرِ فِيْمَا خُلِقُوْا لَهْ، وَجَوَارِحَهُم لِلْعَمَلِ بِمَا أُمِرُوْا بِهِ، وَأَوْقَاتَهم لِعِمَارَتِهَا بِمَا يَعْمُرُ مَنَازِلَهُمُ فِي الآخِرَةِ، واسْتَظْهَرُوْا عَلَى سُرْعَةِ الْعَمَلِ بالمُبَادَرَةِ إِلى الأَعْمَالِ، وسَكَنُوا الدُّنْيَا وقُلُوبُهُمْ مُسَافِرَةٌ عَنْهَا، واسْتَوْطَنُوا الآخِرَةَ قَبْلَ انْتِقَالِهِم إِلَيْهَا.واهْتَمُّوْا بِاللهِ وطَاعَتِهِ عَلَى قَدْرِ حَاجَتِهِمْ إِلَيْهِ، وَتَزَوَّدُوْا لِلآخِرَةِ عَلَى قَدْرِ مَقَامِهِمْ فِيْهَا، فَجَعَلَ لَهُمْ سُبْحَانَهُ مِنْ نَعِيْمِ الْجَنَّةِ وَرَوْحهَا أنْ آنَسَهُمْ بِنَفْسِهِ، وَأقْبَلَ بقُلُوبِهِمْ إِلَيْهِ، وَجَمَعَهَا عَلَى مَحَبَّتِهِ، وشَوَّقَهُمْ إِلى لِقَائِهِ وَنَعَّمَهُمْ بقُرْبِهِ، وَفَرَّغَ قُلُوبَهُمْ مِمَّا مَلأ قُلُوبَ غَيْرِهِمْ مِنْ مَحَبَّةِ الدُّنْيَا والهَمَّ والحُزْنِ عَلَى فَوْتِهَا، والغَمَّ مِنْ خَوْفِ ذَهَابِهَا، فاسْتَلاَنُوْا مَا اسْتَوْعَرَهُ المُتْرَفُوْنَ، وأَنِسُوْا بِمَا اسْتَوْحَشَ مِنْهُ الجَاهِلُونَ، صَحِبُوا الدُّنْيَا بأَبْدَانِهِمْ والملأ الأَعْلَى بأَرْوَاحِهِمْ عَلَى حَدِّ قَوْلِ الشَّاعِر: فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ سَيَّدُ عَمَلِهِ وطَرِيْقُهُ الّذِي يَعُدُّ سُلُوْكَهُ إِلى اللهِ طَرْيقَ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ قَدْ وَفَّرَ عَلَيْهِ زَمَانَهُ مُبْتَغِياً بِهِ وَجْهَ اللهِ فَلاَ يَزَالُ كَذَلِكَ عَاكِفاً عَلَى طَرِيقِ العِلْمِ والتَّعْلِيمِ حَتَّى يَصِلَ مِنْ تِلْكَ الطَّرِيْقِ إِلى اللهِ وَيَفْتَحَ لَهُ فِيْهَا الفَتْحَ الخَاصَّ أّوْ يَمُوْتَ فِي طََرِيْقِ طَلَبِهِ فَيُرجَى لَهُ الوُصُولُ إِلى مَطْلَبِهِ بَعْدَ مَمَاتِهِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلى اللهِ}.وَقَدْ حُكِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ كَثِيْرَةٍ مِمَّنْ أَدْرَكَهُ الأَجَلُ وَهُوَ حَرِيْصٌ طَالِبٌ لِلْقُرْآنِ أنَّهُ رُؤِيَ بِعْدِ مَوْتِهِ وأَخْبَرَ أَنَّهُ فِي تَكْمِيْلِ مَطْلُوبِهِ وأنّهُ يَتَعَلَّمُ فِي البَرْزَخِ فإِنَّ العَبْدَ يَمُوْتُ عَلَى مَا عَاشَ عَلَيْهِ.ومن النَّاس من يكون سيد عمله الذكر وقَدْ جعله زاده لمعاده ورأس ماله لمآله فمتي فتر عَنْهُ أو قصر رأي أنه قَدْ غبن وخسر.ومن النَّاس من يكون سيد عمله وطريقة الصَّلاة فمتي قصر في ورده منها أو مضي عَلَيْهِ وَقْت وَهُوَ غير مشغول بها أو مستعد لها أظلم عَلَيْهِ وقته وضاق صدره.ومن النَّاس من يكون طريقه الإحسان والنفع المتعدي كقضاء الحاجات وتفريج الكربات وإغاثة اللهفات وأنواع الصدقات قَدْ فتح له في هَذَا وسلك منه طريقاً إلى ربه.ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ طَرِيْقُهُ الصَّوْمَ فَهُوَ مَتَى أَفْطَرَ تَغَيَّرَ عَلَيْهِ قَلْبُهُ وَسَاءَتْ حَالُهُ.ومِنَ النَّاسِ مَنْ يَكُونُ طَرِيْقُهُ تِلاَوَةَ القُرْآنِ وَهِيَ الغَالِبُ عَلَى أَوْقَاتِهِ وَهِيَ أَعْظَمُ أَوْرَادِهِ.وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ طَرِيْقُهُ الأَمْرَ بالمَعْرُوْفِ والنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ قَدْ فَتَحَ اللهُ لًهُ فِيْهِ وَنَفَذَ مِنْهُ إِلى رَبِهِ.وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ طَرِيْقُهُ الَّذِي نَفَذَ فِيْهِ الحَجَّ والاعْتِمَارَ.وَمِنْهُمْ مَنْ يَكُونُ طَرِيْقُهُ قَطْعَ العَلائِقِ وتَجْرِيْدَ الهِمَّةِ وَدَوَامَ الْمُرَاقَبَةِ وَمُرَاعَاةَ الخَوَاطِرِ وحِفْظَ الأَوْقَاتِ أَنْ تَذْهَبَ ضَائِعَةً.وَمِنْهُمْ جَامَعُ المَنْفَذِ السَّالِكُ إِلى اللهِ فِي كُلِّ وَادٍ الوَاصِلُ إِلَيْهِ مِنْ كُلِّ طَرِيقٍ فَهُوَ جَعَلَ وَظَائِفَ عُبُودِيَّتِهِ قِبْلَةَ قَلْبِهِ وَنَصْبَ عَيْنِهِ يَؤُمُّهَا أَيْنَ كَاَنَتْ وَيَسِيْرُ معها حيث سارت قَدْ ضرب مَعَ كُلّ فريق بسهم فأين كانت العبودية وجدته هناك إن كَانَ علم وجدته مَعَ أهله أو جهاده وجدته في صف المجاهدين أو صلاة وجدته في القانتين أو ذكر وجدته في الذاكرين أو إحسان ونفع وجدته في زمرة المحسنين أو محبة ومُرَاقَبَة وإنابة إلى الله وجدته في زمرة المحسنين المنيبين.يَدِيْنُ بِدِيْنِ العُبُوْدِيَّةِ أنّي اسْتَقَلَّتْ رَكَائِبُهَا وَيَتَوجَّهُ إِلَيْهَا حَيْثُ اسْتَقَرَّتْ مَضَارِبُهَا لَوْ قِيْلَ لَهُ: مَا تُرِيْدُ مِنَ الأَعْمَالِ؟ لَقَالَ أُرِيْدُ أَنْ أُنفِّذَ أَوَامِرَ رَبِّيْ حَيْثُ كَانَتْ وأَيْنَ كَانَتْ جَالِبَةً مَا جَلَبَتْ مُقْتَضِيَةً مَا اقْتَضَتْ جَمَعَتْنِيْ أَوْ فَرَّقَتْنِيْ.لَيْسَ لِي مُرَادٌ إِلاَّ تَنْفِيذُها والقِيَامُ بِأدَائِهَا مُرَاقِباً لَهُ فِيْهَا عَاكِفاً عَلَيْهِ بِالرُّوْحِ والقَلْبِ وَالبَدَنِ وَالسِّرّ قَدْ سَلَّمْتُ إِلَيْهِ المَبِيْعَ مُنْظَِراً مِنْهُ تَسْلِيْمَ الثَّمَنِ: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ} فَهَذَا هُوَ الْعَبْدُ السّالِكُ إِلى رَبِّهِ النّافِذُ إِلَيْهِ حَقِيْقَةً.ومعني النفوذ إليه أن يتصل به قَلْبهُ ويعلق به تعلق المحب التام المحبة بمحبوبه فيسلوا به عن جَمِيع المطالب سواه فلا يبقي في قَلْبهِ إِلا محبة الله وأمره وطلب التقرب إليه، وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
فَيَا مَنْ ذَاقَ شَيْئاً مِنْ مَعْرِفَةِ رَبِّهِ وَمَحَبَّتِهِ ثُمَّ أعْرَضَ عَنْهَا واسْتَبْدَلَ بِغَيْرِها مِنْهَا يَا عَجَباً لَهُ بأيَّ شَيْءٍ تَعَّوَض وكَيْفَ قَرَّ قَرارُهُ فَما طَلَبَ الرُّجوعَ إِلى أحنِيَتِهِ وَمَا تَعَرّض وَكَيْف اتّخَذَ سِوَى أحنِيَتِهِ سَكناً وجَعَلَ قََلبَهُ لِمَنْ عَادَاهُ مَولاَهُ مِنْ أجْلِهِ وطَناً أمْ كَيْفَ طَاوَعَهُ قَلْبُهُ عَلَى الاصْطِبَارِ وَوَافَقَهُ عَلَى مُسَاكَنَةِ الأغْيَارِ.فَيَا مُعْرِضاً عَنْ حَيَاتِهِ الدَائِمَةِ وَنَعِيْمِهِ المُقِيمِ وَيَا بَائِعاً سَعَادَتَهُ العُظْمَى بِالعَذَابِ الألْيِمِ وَيَا مُسْخِطاً مَنْ حَيَاتًهُ وَرَاحَتُهُ وَفَوْزُهُ فِي رِضاهُ وطَالِباً رضى مَنْ سَعادَتُهُ فِي إِرْضاءِ سِوَاهُ إِنّمَا هِيَ لَذّةٌ فَانِيةٌ وشَهْوَةٌ مُنْقِضَيةٌ تَذْهَبُ لذّاتُها وتَبَقَى تَبِعَاتُهَا فَرَحُ سَاعَةٍ لاَ شَهْرٍ وغَمُّ سَنَةٍ بَلْ دَهْرِ طَعَامٌ لَذْيِذٌ مَسْمُومٌ أوَّلُهُ لذّةٌ وآخِرُهُ هَلاَكُ.فالعَالِم عَلَيْهَا والساعي في توصيلها كدودة القز يسد علي نَفْسهُ المذاهب بما نسج عَلَيْهَا من المعاطب فيندم حين لا تنفع الندامة ويستقيل حين لا تقبل الاستقالة فطوبي لمن أقبل علي الله بكليته وعكف عَلَيْهِ بإرادته ومحبته.فإن الله يقبل عَلَيْهِ بتوليه ومحبته وعطفه ورحمته وإن الله سُبْحَانَهُ إذا أقبل علي عبد استنارت جهاته وأشرقت ساحاتها وتنورت ظلماتها وظهر عَلَيْهِ آثار إقباله من بهجة الجلال وآثار الجمال.وَتَوَجَّهَ إِلَيْهِ أَهْلُ المَلأِ الأعْلَى بِالمَحَبّةِ والمُوالاَةِ لأنَّهُمْ تَبَعٌ لِمَوْلاهُمْ فَإِذَا أحَبَّ عَبْداً أحبُّوهُ وإِذَا وَالَى وَلِيّاً وَالوْهُ إِذَا أحَبّ اللهُ الْعَبْدَ نَادَى يَا جِبْرائيلُ إِنّي أُحِبُّ فُلاناً فَأَحَّبَّهُ فيُنادِي جِبْرائيلُ فِي السَّماءِ إنّ اللهَ يُحِبُّ فُلاناً فَأَحِبُّوهُ فيُحِبُّهُ أَهْلُ السّماءِ ثُمَّ يُحِبُّهُ أَهْلُ الأرْضِ.فَيُوْضَعُ لَهُ القَبُولُ بَيْنَهُمْ ويجْعَلُ اللهُ قُلُوبَ أوْلِيائِهِ تَفِدُ إِلَيْهِ بالوُدِّ والمَحَبّةِ والرَحْمَةِ ونَاهِيْكَ مَنْ يَتوجَّهُ إِلَيْهِ مالِكُ المُلكِ ذُو الجَلاَلِ والإِكْرَامِ بِمَحَبَّتِهِ ويُقْبِلُ عَلَيْهِ بأنْوَاعِ كرَامَتِهِ ويَلْحَظُهُ المَلأٌ الأعْلَى وأَهْلُ الأرْضِ بالتَّبْجِيلِ والتّكريمِ وَذَلِكَ فضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ واللهُ ذُوْ الفَضْلِ العَظِيمِ.وصلى الله على مُحَمَّد وآله وصحبه أجمعين.
|